مبدأ المنافسة في الصفقات العمومية.pdf

 مبدأ المنافسة في الصفقات العمومية.pdf

لقد تأخر المشرع الجزائري الفتي في وضع قوانین مسايرة للعصر وللنقلة النوعية في النظام السياسي، من الاشتراكية واحتكار الدولة معظم النشاطات الاقتصادية إلى النظام الرأسمالي الذي بدأت معالمه في الثمانينات.

ونظرا للأزمة الاقتصادية التي مرت بها الجزائر بعد انخفاض عائدات البترول، وانخفاض في المستوى المعيشي، والتعددية الحزبية وما خلفته من مأساة وطنية في العشرية السوداء أثر كل هذا على سلبا على التطور في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية وما آل إليه التشريع جراء ذلك، فساد الفراغ التشريعي إلا بعض التشريعات المحتشمة التي كانت اغلبها تصب في قالب مراسيم تشريعية.


مذكرة نهاية الدراسة لنيل شهادة الماستر

المنافسة في الصفقات العمومية

إن الظروف الاقتصادية والسياسية هاته جراء التبعية الاقتصادية ورغبتها الملحة للدخول في المنظمة العالمية للتجارة، وما فرضه صندوق النقد الدولي جراء الديون المتراكمة جعلها تنصاع إلى ما أملته عليها الدول الكبرى، مما فرض على المشرع الجزائري القيام بإصلاحات اقتصادية وإيجاد آليات من أجل ترشيد سياسة الدولة في مختلف الميادين عن طريق أحداث هيئات إدارية مستقلة خولت لها مهمة ضبط مختلف القطاعات الحساسة بعدما أثبتت الإدارة التقليدية عجزها عن ضبطها، وتمارس مهامها باسم ولحساب الدولة.

المؤرخ في 25جانفي 1995 والمتعلق بالمنافسة فهذا الأمر جاء لوضع قواعد وأسس قانونية بدل التشريع القديم الخاص بالأسعار، بحيث تنص المادة الأولى منه على تنظيم وترقية المنافسة الحرة، وتبرز أهمية هذا القانون في كونه السبب الرئيسي في الانتقال من النظام الذي يرتكز على الاقتصاد الموجه إلى نظام الاقتصاد أين تسود فيه حرية المبادرة الخاصة، إذ يعد من النصوص الرسمية التي اعترفت ضمنيا بمبدأ حرية المبادرة قبل أن يكرسها دستور 16 نوفمبر 1996 بصفة صريحة ، حيث تنص المادة 37 منه على أنه حرية التجارة والصناعة مضمونة وتمارس في إطار القانون ، كما تم تدعيم هذا البرنامج الإصلاحي بإصدار أمر جديد متعلق بالمنافسة رقم 03/03 والذي يتضمن قانون المنافسة وتنظيم قواعد حمايته، وجاء بعد ذلك تعديل قانون المنافسة لسنة 2008 و 2010.

وبذلك فقد رافقت عملية سن سياسة المنافسة الحرة في الجزائر تغير جذري في مميزات الاقتصاد الجزائري، ومن شأنها التغير الذي أحدثه المشرع في مجال الصفقات العمومية الذي أدرجه ضمن قواعد قانون المنافسة

إن أعمال المنافسة الحرية في مجال الصفقات العمومية يعد من الشروط الأساسية التي يتوقف عليها الطلبات العمومية، فالمنافسة بما تثيره من تعدد في العروض والتنوع في الخيارات، تسمح للإدارات العمومية، باستخدام الموارد

العمومية استخداما عقلانيا ورشيدا، يضفي على طلباتها قدرا من الشفافية والنزاهة، بالإضافة إلى إتاحة فرص الوصول لتلك الطلبات تعد أفضل وسيلة التحقيق الحقوق المشروعة لهذه المؤسسات في ممارسة حريتي التجارة والمنافسة.

وعليه فقد أولى المشرع لموضوع حماية المنافسة في الصفقات العمومية عناية خاصة وذلك من خلال قانونين أساسيين هما: قانون الصفقات العمومية، الذي يهدف الى تحديد أحكام خاصة بالتباري والمنافسة لنيل الطلبات العمومية، وقانون المنافسة الذي يرمي الى تنظيم المنافسة وتحديد قواعد حمايتها لزيادة الفعالية الاقتصادية وتحسين معيشة المستهلكين.

وبالرغم من النصين معالم يتضمنا أي مقتضى للإحالة أو الربط بين أحكامهما، فإن ذلك لا يعني القطيعة بينهما حيث من المتيسر استنباط عناصر التقاطع بين أحكامهما سواء من حيث الضمانات المتعلقة بحرية الدخول للطلبات العمومية أو المساواة بين المنافسين وتوفير العلانية والشفافية لإجراء الصفقات.

ومن أجل توفير ضمانات اللازمة لحرية المنافسة، فإن المشرع أدخل أحكاما جديدة في قانون الصفقات مستوحاة من قانون المنافسة، الذي هو في الأصل قانون خاص بالنشاط الاقتصادي، وفي المقابل عمد المشرع إدراج أحكام تنتمي إلى القانون العام في صلب قانون المنافسة الذي يحكم النشاط الاقتصادي والتجاري، وذلك بقصد إضفاء مزيدا من الحماية الحرية المنافسة في الصفقات العمومية.

مما سبق يتبن لنا أن ضمان حرية المنافسة في الصفقات العمومية تهدف الى ترشيد استخدام الموارد العمومية واستعمالها استعمالا عقلانيا، لضمان حقوق المقاولات في منافسة نزيهة وشفافة، ولن يكون ذلك ممكنا إلا بمنع الممارسات التي تمس بالإجراءات المتعلقة بتنظيم الصفقات التي كثيرا ما تقع بفعل المقاولات أو الشخص العام الإداري نفسه صاحب مشروع الصفقة، ولهذا فقد تم تعديل قانون الصفقات العمومية بهدف مواجهة الحالات التي تتعرض فيها المنافسة للتقييد والعرقلة، وذلك بإدراج نصوص جديدة مستوحاة من قانون المنافسة تفرض على الشخص العام التزامها بعدم الإخلال بواسطة قراراته بحرية المنافسة والتزامها بكشف الممارسات ومعاقبة المتورطين فيها. ويعد المرسوم الرئاسي 247/15 المتضمن تنظيم الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام أهم النصوص الذي من خلاله حقق المشرع تقدما غير مسبوق بإقراره لمبدأ المنافسة تجسد ذلك من خلال إجراءات وكيفيات التي تم اعتمادها لإبرام الصفقات العمومية، كما أن المنظم الجزائري من خلال المرسوم الرئاسي 247/15، ورغم تكريسه لمبدأ المنافسة في جميع مراحل إبرام الصفقة إلا أنه وضع حدود واستثناءات على هذا المبدأ، من خلال إبرام الصفقات العمومية والتي من شأنها تعطيل مبدأ المنافسة

ويعد إخلال الإدارة بهذا الالتزام مستوجبا للمتابعة امام المحاكم الإدارية (الغرف الإدارية) وذلك نظرا لأن هذه الممارسات وإن كانت تتضمن تقييدا للمنافسة إلا أن اتصالها بمهام المرفق العام، وممارسة امتيازات السلطة العامة، يجعلها غير خاضعة لاختصاص مجلس المنافسة، غير أنه إذا كانت هذه الممارسات والأعمال لا تتصل بمهام المرفق العام وممارسة امتيازات السلطة العامة، بل تتصل بعمل اقتصادي ليس من مستلزمات تسيير المرفق وحسن أدائه، أو ليست هناك ضرورة لهذا النشاط يمكن تبريرها بمهام المرفق وامتيازات السلطة العامة، فإنه يمكن في رأينا في ضوء التحليل السابق والنص الجديد 02 من قانون المنافسة متابعتها من طرف مجلس المنافسة، باعتبارها نشاط خاصا للإدارة وبالتالي يخضع للقانون الخاص، ومن ثم القانون المنافسة ولو تم في صورة معينة كإجراء للصفقات العمومية، ولعل القيام الفعلي لمجلس المنافسة في مارس سنة 2013 الدليل واضح على النية الفعلية للمشرع الجزائري على إعطاء أكثر جدية ومصداقية لمجلس المنافسة في مواجهة كل إخلال يمس بالمنافسة

ومن خلال هذه الدراسة توصلنا إلى النتائج التالية *أنه ومن باب الموضوعية، يجب الاعتراف بأن المشرع الجزائري وفق إلى حد بعيد في تقنين الإجراءات والضمانات اللازمة لتكريم حرية المنافسة في مجال الصفقات العمومية حيث أن النصوص القانونية المنظمة لعملية إبرام الصفقات العمومية على اختلاف أنواعها ودرجاتها كفيلة لتجسيد وحماية هذا المبدأ

إن الاعتماد على قواعد شفافية الإجراءات من خلال آلية الإشهار والإعلان عن الكيفيات وشروط إبرام الصفقة، ومن أجل تحضير العروض يساهم في القضاء على مظاهر المحسوبية * إن كل الضمانات التي كرسها المنظم الجزائري الاحترام مبدأ المنافسة تؤكد على حرصه على تحقيق الأهداف المتوخاة من الصفقة العمومية، ألا وهي إشباع الحاجات العمومية وتحقيق المصلحة العامة * عدم إمكانية تطبيق مبدأ حرية المنافسة بصفة مطلقة ، مما دفع المنظم الجزائري إلى إدراج أحكام استثنائية تشكل في مجملها قيودا وخروج أعلى هذا المبدأ ، وذلك بغرض تحقيق أهداف أخرى ذات أولوية من ضمنها تجسيد مبدأ الأفضلية الوطنية وتفعيل أداة المنتج المحلي وحمايته، تكريس لمبدأ مكافحة الفساد وحماية المال العام، هذا إلى جانب حماية مبدأ حرية المنافسة في حد ذاته من المنافسة الغير مشروعة

فالإخلال بالمنافسة في الصفقات العمومية موجود وقائم لا يمكن غض النظر عنه نتيجة الثغرات القانونية الموجودة منجهة، ونتيجة صعوبة التحكم في المنافسة داخل السوق من جهة أخرى، لذلك نقترح بعض التوصيات والاقتراحات لإثراء المنظومة القانونية في هذا الشأن حتى يمكن أن ينتقص من التجاوزات التي تستنزف الخزينة العامة وتصيب المال العام، يمكن اختصارها في النقاط الاتية:

البدائية نظام إشهار الصفقات العمومية في الجزائر، حيث مازال يعتمد على النشر الصحفي الورقي الذي يتميز بمحدوديته وقصوره في إيصال المعلومة إلى المتعاملين المتنافيين، على الرغم من اعتماد المنظم الجزائري لطريقة النشر الالكتروني، إلا أن عدم تفعيل العمل بها على غرار الكثير من الدول يقلل من مدى الشفافية في مجال إبرام الصفقات العمومية وكيفيات تسييرها وكيفيات تبادل المعلومات بالطريقة الالكترونية

2/ تكوين الموظفون والأعوان العموميون المكلفون بتحضير وإبرام وتنفيذ ومراقبة الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام، وأصحاب العروض أو المتعاملين المتعاقدين في المجال الالكتروني، من خلال تقديم تكوينات في التعامل الالكتروني في مجال الصفقات العمومية

 3/ ضرورة تنظيم دور لجنة فتح الأظرف وتقييم العروض في ضبط المنافسة في مجال الصفقات العمومية بشكل أكثر وضوحا ودقة، خاصة في ظل التداخل بين النشاط الاقتصادي والإداري الأشخاص القانون العام.

 4/ ترقية وتطوير تسيير المصالح المتعاقد من خلال تكوين الموظفون والأعوان العموميين المكلفون بتحضير وإبرام وتنفيذ ومراقبة الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام.

 5/ من أجل ضمان فعالية لجنة فتح الاظرف وتقييم العروض نوصي بتمكينها من قدر من الاستقلالية المادية والبشرية حتى تتمكن من ممارسة مهامها بكل نزاهة وشفافية

 6/ تجريم إبرام الصفقات عن طريق التراضي، نتيجة الضرر الذي يحدثه على مبدأ المنافسة الحرة، إذ تحول من استثناء الى مبدأ. وفرض عملية الإشهار الصحفي وجعله وجوبي في حالة التراضي بعد الاستشارة في كل حالاته

 7/فرض شروط صارمة تتعلق بالنزاهة والكفاءة اللازمة للتعيين في الوظائف التي يشرف أصحابها على إبرام وتنفيذ الصفقات العمومية، وعلى الجهات الإدارية المعينة للقيام بدورات تكوينية مكثفة لموظفيها حول قواعد إجراءات إبرام وتنفيذ الصفقات العمومية خاصة في إطار التعديلات العديدة والمستمرة لتنظيم الصفقات العمومية

 8/ إلزام إخطار مجلس المنافسة بجميع الممارسات المنافية للمنافسة لكي يقمع هذه الممارسات، وتفعيل الدور الرقابي للمجلس.

وعليه فإن الاهتمام بالمنافسة في الوقت الراهن لا يمكن أن ينظر إليه من وجهة النصوص القانونية الموضوعة من قبل المشرع، وإنما لا بد من النظر إليه من أرضية الواقع التي تثبت بوضوح فشل هذه النصوص في الحد من الانتهاكات المستمرة لهذا المبدأ، مما يستدعي دق ناقوس الخطر والدعوة لتضافر كافة الجهود للبحث في سبيل تدعيم وتفعيل حرية المنافسة في نطاق الصفقات العمومية

 لتحميل المذكرة بصيغة ملف pdf اضغط على رابط التحميل في الاسفل

رابط التحميل: مبدأ المنافسة في الصفقات العمومية.pdf



dc.subject -2 الصفقات العمومية - المبادئ 3- المنافسة 4- إبرام

إرسال تعليق

0 تعليقات